عزيزى القارئ
لقد زادت الحملات التى يمكن القول بأنها مسعورة ضد عبد الله ورسوله محمد
صلى الله عليه وسلم رغم أن العالم خلال التاريخ الإنسانى قد شهد ديانات
وأنبياء ورسل كثيرين قبل النبى محمد صلى الله عليه وسلم. وعلى الجانب الأخر
فقد قامت أيديولوجيات مختلفة لفلسفات إنسانية نشأت عنها مذاهب تمثل
لمناصريها الديانة ومن لا يعترف بها أو يناصرها فهو عدو. لقد شهد القرن
العشرون صراعاً كبيراً بين الشيوعية الماركسية والرأسمالية وأنتهى هذا
الصراع بإنهيار الإتحاد السوفيتي وإنحلال حلف وارسو. ومع ذلك لم نجد عداءاً
ولا سباً لأى نبى من أنبياء الله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه مثلما
تعرض له النبى محمد صلى الله عليه وسلم. أيضا لم يتعرض صاحب فلسفةٍ ما أو
صاحب مذهبٍ ما أو نظريةٍ لهجومٍ شرسٍ مثلما تعرض له النبى محمد صلى الله
عليه وسلم. وهنا يطفو فوق السطح سؤالاً ملحاً رغم مرور أكثر من أربعة عشر
قرناً من الزمان وإنتقال النبى صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى فلما
كل هذا الكره ولماذا كل هذا الحقد مع أن محمداً صلى الله عليه وسلم مات هل
لأن المسلمين موجودون فاليهود موجودون والنصارى موجودون والبوذيون موجودون
وكذلك الشيوعيون وأصحاب مذاهب عديدة مات أصحابها ولها أنصارها ومعتنقيها
ولكن لم يتعرض أحد من كل هؤلاء لمثل هذا الهجوم بل أحياناً كثيرة يذكرون
بالتقدير والإحترام.
إن الحقد الدفين والأذلى لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم والذى لن ينتهى إلى يوم
الدين، إلا بقوة المؤمنين، هو نتاجٌ طبيعىٌ لصراعٍ أبديٍ مابين الإيمان
بالله وعبادته وإقامة العدل على الأرض مهد خلافة الإنسان وبين الكفر بالله
وشهوات الدنيا وحبها.
لقد بدأت القضية قبل خلقة آدم عليه السلام مابين حزب الملائكة المجبولة على
طاعة الله سبحانه وتعالى وبين إبليس الذى هو من الجنِّ كما ورد بسورة
الكهف " وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا
إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ
أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ
عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)" والجن مكلفة بعبادة الله
تماماً مثل الإنسان كما ذكر ربنا سبحانه وتعالى فى القرآن العظيم " وما
خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون " الآية 56 من سورة الطور من جانب وبين
مولانا العظيم وسوف نناقش فى الكتاب هذا الموضوع باستفاضة.
إن المسلمين الأوائل كانوا يعرفون قدر محمد صلى الله عليه وسلم وكانوا نعم
النصير له لمعرفتهم التامة بحقيقة الأمر وقد كان الوصل بين الأرض والسماء
موجوداً فقد شهدوا نزول القرآن و رأوا جبريل عليه السلام وكان بينهم سيد
الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ولشدة إيمانهم فقد إستماتوا من أجل نصرة
الله عز و جل ونبيه صلى الله عليه وسلم. لقد مدحهم الله من فوق سبع سماوات
كما ورد فى سورة الأحزاب " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا
عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ
مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا " الآية 23. لقد كان التواصل
بين الأرض والسماء فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فى أوجه وكأن آدم لم
يسكن الأرض وإنما هو بالسماء أو كأن السماء نزلت إلى الأرض. والأدلة كثيرة
ألم تقاتل الملائكة يوم بدر إلى جوار المؤمنين كما ورد فى سورة آل عمران
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا
اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ
أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا
وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ
آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ
إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ
إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) " ، ألم يقود الله
عز وجل المعركة وأعطى آوامره للملائكة كما ورد فى سورة الأنفال " إِذْ
يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا
الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ
فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12) "
، ألم يأتى القرآن مطابقاً لقول الصحابة كما حدث مع عمر بن الخطاب فى
كثيرٍ من المواقف؟، ألم يرد الله على تساؤلات المؤمنين كما حدث مع أبى
بكر؟، حتى فى أحزان المؤمنين كان التواصل متواجداً، ألم يعزى الله رسوله فى
وفاة الصحابى سعد بن معاذ؟
الى اللقاء فى الجزء التالى